سورة الفرقان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{تَبَارَكَ} تفاعل، من البركة. عن ابن عباس: معناه: جاء بكل بركة، دليله قول الحسن: مجيء البركة من قبله. وقال الضحاك: تعظَّم، {الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ} أي: القرآن، {عَلَى عَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم. {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} أي: للجن والإنس. قيل: النذير هو القرآن. وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم. {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} مما يطلق عليه صفة المخلوق، {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} فسواه وهيأه لما يصلح له، لا خلل فيه ولا تفاوت، وقيل: قدَّر لكل شيء تقديرًا من الأجل والرزق، فجرت المقادير على ما خلق.


قوله عز وجل: {وَاتَّخَذُوا} يعني عبدة الأوثان، {مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} يعني: الأصنام، {لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} أي: دفع ضر ولا جلب نفع، {وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً} أي: إماتةً وإحياءً، {وَلا نُشُورًا} أي: بعثا بعد الموت. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: المشركين، يعني: النضر بن الحارث وأصحابه، {إِنَّ هَذَا} ما هذا القرآن، {إِلا إِفْكٌ} كذب، {افْتَرَاه} اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم، {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} قال مجاهد: يعني اليهود. وقال الحسن: هو عبيد بن الخضر الحبشي الكاهن. وقيل: جبر، ويسار، وعداس بن عبيد، كانوا بمكة من أهل الكتاب، فزعم المشركون أن محمدا صلى الله عليه وسلم يأخذ منهم، قال الله تعالى: {فَقَدْ جَاءُوا} يعني قائلي هذه المقالة، {ظُلْمًا وَزُورًا} أي: بظلم وزور. فلما حذف الباء انتصب، يعني جاؤوا شركًا وكذبًا بنسبتهم كلام الله تعالى إلى الإفك والافتراء. {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} يعني النضر بن الحارث كان يقول: إن هذا القرآن ليس من الله وإنما هو مما سَّطره الأولون مثل حديث رستم واسفنديار {اكتتبها}: انتسخها محمد من جبر، ويسار، وعداس، ومعنى اكتتب يعني طلب أن يكتب له، لأنه كان لا يكتب، {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} يعني تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها، {بُكْرَةً وَأَصِيلا} غدوة وعشيًا. قال الله عز وجل ردًا عليهم: {قُلْ أَنزلَهُ} يعني القرآن، {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ} يعني الغيب، {فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}.


{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم، {يَأْكُلُ الطَّعَامَ} كما نأكل نحن، {وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ} يلتمس المعاش كما نمشي، فلا يجوز أن يمتاز عنَّا بالنبوة، وكانوا يقولون له: لست أنت بمَلَك ولا بملِك، لأنك تأكل والمَلَك لا يأكل، ولست بملِك لأن الملِك لا يتسوق، وأنت تتسوق وتتبذل. وما قالوه فاسد؛ لأن أكله الطعام لكونه آدميًا، ومشيه في الأسواق لتواضعه، وكان ذلك صفة له، وشيءٌ من ذلك لا ينافي النبوة. {لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} فيصدقه، {فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} داعيًا. {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز} أي: ينزل عليه كنز من السماء ينفقه، فلا يحتاج إلى التردد والتصرف في طلب المعاش، {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} بستان، {يَأْكُلُ مِنْهَا} قرأ حمزة والكسائي: {نأكل} بالنون أي: نأكل نحن منها، {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} مخدوعًا. وقيل: مصروفًا عن الحق. {انْظُرْ} يا محمد، {كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ} يعني الأشباه، فقالوا: مسحور، محتاج، وغيره، {فَضَلُّوا} عن الحق، {فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} إلى الهدى ومخرجًا عن الضلالة. {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} الذي قالوا، أو أفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: يعني خيرًا من المشي في الأسواق والتماس المعاش. ثم بين ذلك الخير فقال: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} بيوتًا مشيدة، والعرب تسمي كل بيت مشيَّد قصرًا، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وعاصم برواية أبي بكر: {ويجعلُ} برفع اللام، وقرأ الآخرون بجزمها على محل الجزاء في قوله: {إن شاء جعل لك}.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحارث، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن أيوب، حدثني عبد الله بن زخر، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا، وقال ثلاثًا أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعتُ إليك وذكرتُك، وإذا شبعتُ حمدتُك وشكرتُك».
حدثنا أبو طاهر المُطَهَّرُ بن علي بن عبيد الله الفارسي، أخبرنا أبو ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا أبو معشر عن سعيد يعني المقبري، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو شئتُ لسارت معي جبال الذهب، جاءني مَلَكٌ إن حُجِزْتَهُ لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئتَ نبيًا عبدًا، وإن شئت نبيًا مَلِكًا، فنظرت إلى جبريل فأشار إليَّ أنْ ضَعْ نفسك، فقلت: نبيًا عبدًا» قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئًا يقول: «آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8